Saturday, September 27, 2008

أسمع صوتها من بعيد

















أسمع صوتها من بعيد ..نداء كالصدى و لكنه لا يتردد ..يأتى خافت فأعلم أنها قادمة
و ما ان يعلو صوتها حتى أذهب لألقى نظرة عليها و هى كما هى ..على نشاطها الدائم و دأبها المستمر..لا تكل و لا تمل..حاملة كل ما أوتيت من ثروة فوق رأسها تنادى فى زهد علنى كمن يبيع الدنيا و ما فيها بالأخرة..."جرجييييييييييييييير و بقدوووووووووووونس" كما كنت أقلدها فى سنوات طفولتى و أنا أسأل أمى " مين عايز جرجيييييير؟؟"
كحال أى طفل , ما زلت أراهم يلعبون, أطفال هذا الجيل , والفكرة نفسها لا تتغير و ان كانوا يمثلون دور حامل طلبات الوجبات السريعة الى المنزل يسألون " مين طلب بيتزاااا؟؟
شتان بين الأمرين و ان تشابهت اللعبة ..والفرق الزمنى ليس الا فرق بين جيل و آخر, و لكنه يكفى لتغيير معنى العطاء..ليحل مكانه معنى جديد "الخدمة"و مستوى الخدمة , و سرعة الخدمة الخ من تلك المصطلحات الرأسمالية الحديثة.....

عندما يمر شهر و لا أسمع نداءها " أم حسن بائعة الجرجير", أخاف أن يكون قد أصابها مرض أقعدها , أو لعلها لن تأتى مرة أخرى...هى امرأة أظنها تجاوزت السبعين من عمرها , و ان كانت ذات همة يفتقدها معظم الشباب الباحثين عن عمل فى بلادنا.. مهما طال غيابها تعود لنطمئن عليها...أراها فأتعجب كيف لها أن تقوم بما تفعله؟ لماذا؟ أيكفى ما تبيعه من الجرجير ما يسد جوع ,أو يسدد ايجار مسكن ؟؟ فما بال دوائها و هى فى هذه السن المتأخرة؟ و أين هو حسن؟؟لماذا ترك أمه تعمل طوال هذه السنوات؟ ..و فى كل مرة أقرر أن أسألها ما يفك رموز هذا الغموض , الا أنها تفاجئنى بترحابها المعهود و سلامها لأمى و اخوتى ...ياااااا أم حسن !!!
- نعم يا حبيبة – هكذا تقول – فهى من أهل النوبة , لا تخفى لهجتها المميزة على أحد و لا نبرتها المنغمة التى تميز نداءها و تحتفظ بها أيضا فى حديثها الهادىء
- كيف حالك –و صحتك ؟ انت كويسة ؟
-الحمد لله أنا بخير و ازيك انت؟
-يااااااااااااأم حسن ؟؟
- نعم يا حبيبة
ليه بتتأخرى؟؟ !!بخاف متجيش تانى!!!!
- ركبتى فيها خشونة , أنا بمشى كتيييير, و سكتى طويلة
لا أصدق أنها تشكو من الخشونة- بارك الله فيها وعافاها – و لكن الخشونة تأتى أيضا لكثير ممن لا يتحركون و لا يسعون فى الأرض نصف سعيها..و ليس للمرء الا ما سعى و أن سعيه سوف يرى!!
فرق كبير بين مستحق الصدقة و لا يطلبها , و بين منتظر البقشيش يكاد يقاتل من أجله ..و الرزق من الله فى الأحوال كلها!!
أم حسن ممن يصح فيهم قول الله تعالى " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف,تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا " أشتاق لوجهها الأسمر , تطالعك بابتسامة بيضاء صافية , و عيون سوداء صادقة تلمع بالعزة و العفاف , لا تسأل الناس شيئا , و الكل يسأل عنها
قد لا يذكرها الناس و لايعلمون لها طريقا , و لكنها لا تضل الطريق أبدا..

يفرق جبران خليل جبران بين أنواع العطاء,فبعض الناس يعطى فرحابالعطاء, و فرحته جزاؤه , و بعضهم يعطى مكابدا , و فى مكابدته تطهير له.
و بعضهم يعطى القليل مما عنده الكثير , و بعضهم لا يملك الا القليل فيجود به كله.
و لا أجد تفسيرا لعطاء أم حسن غير ذلك الذى يقول فيه جبران " و بعضهم يعطى و لا يحس مكابدة,و لا يلتمس فرحا ,
و لا يدرك أن العطاء فضيلة.أولئك يعطون كأنهم ريحان الوادى يبث عطره فى الفضاء. و على فيض أمثال هؤلاء تتجلى كلمة الله, و من خلال عيونهم تشرق بسماته على الأرض

و فى ليلة رمضانية, قالت لى أم حسن و هى تحاورنى , لا أعمل من أجل أرض أملكها و لا بيت أسكنه و لا مال أجمعه , أعمل من أجل الشكر, يشكرنى الناس فأشكرهم.
تذكرت حينها أننى أنسى أن أشكرها , لكنها لا تنسى أن تدعو لى و لأهلى.فمن منا المعطى ؟ من البائع و من المشترى ,
و لا أظن البضاعة تلك الوريقات الخضراء..فما تتاجر فيه أم حسن تجارة لا تبور..تقرضك قرضا حسنا , فيضاعفه الله, و لا تدرى من أين يبدأ العطاء و الى أين ينتهى
.

Sunday, September 14, 2008

الصفحة البيضاء


بدأت أخط اسمى

سنى و عنوانى

ملأت السطور

بأفراحى و أحزانى

أرى اشراقة شمس

و أريج زهر..و صفاء

و كنت أنت

الصفحة البيضاء

***

للصفحة هامش

على اليمين

فيه يرقد المسكين

قلبى ..بوصلة الزمان

علم فيك الجنوب

من الشمال

صار الكون أنت

و صرت الفضاء

لأنك الصفحة البيضاء

***

أسطرك أحلاما

ملهمتى

و العمر أياما

و غدى قصة مجهولة

يا حلم الطفولة

لا تذهب سدى

أبحث عنك

فتضيع منى الكلمات

قلمى بحبر النقاء

يسطر الندى

قطرات


و تبقى الصفحة البيضاء

Saturday, September 13, 2008