كان من أحد أسباب توقفى عن الكتابة هو ايمانى بأهمية و ضرورة تقديم الفعل على الكلام , السعى الى الأمام على شرح الطريق , تقديم التجارب الحية على التصورات الافتراضية , تحليل المحاولات الجادة على نقد الذات
كان من أهم الفروق الرئيسية التى شعرت بها بيننا و بين العالم الخارجى هو قدرتنا المذهلة على بقاء الحوار مستمر طالما لم يحن الوقت المناسب لمراجعة النتائج و تصحيح الاخطاء..بل وصلنا الى مرحلة استبدل فيها العمل بفعل الكلام نفسه!! ..بينما العامل الرئيسى لحركة تفاعل المجتمع , أى مجتمع ,و هو ما قامت عليه حركة المجتمعات
المتقدمة ,وهوالقدرة على اتخاذ الموقف الايجابى, و ذلك بدءا بالمستوى الفردى ثم الجماعات على اختلاف أنشطتها من منظمات و نقابات و أحزاب وصولا الى القيادات العليا . و فى كثير من الأحيان تصل الايجابية الى المبادرة (بالفعل)
و ليس مجرد (رد الفعل
فى مصر , يختلف الأمر كثيرا الى أنه يكاد يصبح ثقافة شعب , و هنا تكمن الخطورة حيث اعتاد الأفراد حتى على
المستوى الشخصى و الفردى على التواكل و السلبية , الركون الى اليأس و تقديم المبررات لاثبات اللا جدوى من أى
شىء ..و هو نفس ما أصابنى من حالة التشكك من جدوى الكتابة و التعبير عن الأفكار..حيث أننى كنت أرى أن للفعل
فى هذا الوقت ضرورة ملحة أكثر من أى وقت آخر
ما اختلف اليوم عما سبق , هو خطاب الرئيس أوباما. و اختلافه شكلا و مضمونا مما يعكس وجها جديدا لأمريكا الا أنه يعكس أيضا فروقا واضحة فى التقدم و التخلف بين الأمم . و بعيدا عن المقارنات فلا مجال لأى مقارنة بين مصر
و أمريكا,و بعيدا أيضا عن التعليقات المثارة حول الخطاب و الرسالة التى يحملها الى العالم الاسلامى فانه خطاب امتاز فى شكله بالصدق و الحماس و الوضوح و بالدقة و الاعتدال فى مضمونه , استند فيه الرئيس أوباماعلى حقائق تاريخية
و حضارية لازالة الشكوك و تدعيم الثقة و استطاع الالمام فيه بكافة القضايا الهامة مرتكزا على نقاط الاتفاق أكثر مننقاط الاختلاف . ,مما جعلنا ندرك أن كثيرا مما تحتاجه مصر و الأمة العربية عامة كان و ما زال محفورا فى دعائم
و أركان بنائها الا انه أهمل بين طيات الغفلة و الفساد و الاستبداد
ان صدقت النوايا الأمريكية فالفرصة اليوم متاحة لتحقيق الكثير من الأمنيات بعد زوال الشكوك و نظريات المؤامرة
و ان لم تصدق ,فيكفى ما قدمه أوباما اليوم من نموذج تصحو معه الأجيال الشابة للايمان بامكانية تحقيق ما توارثناه من
مبادىء حولها اليأس الى الاعتقاد بأنها مجرد عبارات رنانة بعيدةعن الواقع , الا أن أوباما يعطى مثالا على أن الفرصة
دائما مازالت قائمة ان صدق العزم و تحولت الكلمات الجوفاء الى أفعال
و فى هذا السياق , تعود أهمية الحوار داخل مجتمعاتنا . فمثلما تغير الخطاب الأمريكى , نغير خطابنا الداخلى من رصد للسلبيات الى مواجهاتها.. من توجيه اللوم على الماضى الى تقديم الحلول للمستقبل ..و هنا تكمن ضرورة شحذ الهمم
و اعلاء الأراء و الافكار البناءة , و تحويل ذلك الخطاب من مجرد رسالة قد صارت حدثا فى حينها ثم ما تلبث أن تمضى مع ما مضى , الى علامة فارقة... أن تتحول من ذكرى الى تذكرة
و على هذا الأساس يبدأ عهد جديد فى نفوسنا , شباب هذا البلد , يملؤه الحلم و التطلع بشوق لما تستحقه بلادنا و الأخذ
من الآخر ليس فقط ما يسمح به التقاء المصالح المشتركة بيننا و انما أخذ " النموذج" الذى يأمله الآخر لنفسه و لبلده ,وما يقدمه للعالم , و هو مثال التصدى للمشكلات بشجاعة و تحليل النتائج بشفافية
فرقا كبيرا بين أن تكون التبعية الامريكية اختيارا و بين ان تكون خضوعا..بين أن يأتى عهد الاعتدال و التسامح , فنخضع للاعتدال ثم يأتى بعده عهدا للظلم فنخضع فيه للقهر و الذل مثلما كان فى فترة بوش الرئاسية السابق
ليكن خطاب أوباما خطابا للذات وليسبق التصالح مع الآخر تصالحا مع الذات..و فى كلتا الحالتين مازال الخيار أمامنا